[size=18]المقدمه:
تعتبر الزراعة من أقدم الصناعات المكونة للاقتصاد العالمي، وقد شهدت تحولاً كبيراً في القرن العشرين خاصة خلال النصف الثاني منه، حيث تطورت أساليب الإنتاج والتخصص، وكان ذلك في كل من الدول النامية والدول المتقدمة، ولكن بدرجات متفاوتة، وتستوعب الزراعة على المستوى العالمي حوالي 1.3 مليار عامل، وتنتج سلعاً مختلفة تبلغ قيمتها 1.3 تريليون دولار سنويًّا، ورغم اتساع مساحة الأرض المزروعة في العالم بحوالي 10% فقط خلال الأربعين سنة الماضية، إلا أن نصيب الفرد من المواد الغذائية ارتفع بنسبة 25% خلال نفس الفترة رغم زيادة تعداد السكان العالم بنسبة 90%؛ ويرجع ذلك إلى التطور الذي تمَّ في قطاع الزراعة في مجال طرق الإنتاج وأساليبه؛ مما أدى إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية بنسبة 20%، وأصبحت تكاليف الغذاء لا تمثل سوى 14% من دخل الأسرة في الدول الغنية.
مواضيع التقرير:
1-الزراعه بشكل عام
2-مساهمه الزراعه في التجاره الدوليه
3-هندسه الزراعه والحروب التجاريه
4- واقع الزراعه العربيه
5- افاق الزراعه العربيه
العرض:
ولقد تأثرت الزراعة كغيرها من النشاطات الأخرى بالتقدم التكنولوجي، وتعرضت في نفس الوقت لبعض القيود السياسية والاقتصادية فأصبح قطاع الزراعة مطالبا بإنتاج مواد غذائية بتكاليف منخفضة، وفي نفس الوقت مراعاة الاعتبارات المتعلقة بالحفاظ على البيئة، وسلامة الأرض والحيوانات وصحة المستهلك، وفي ظل التطور الذي لحق بالزراعة أصبح المزارعون في معظم دول العالم مطالبين بالاستجابة لعوامل السوق، ومراعاة مطالب المستهلك النهائي للمنتج الزراعي، والملاحظ أن التطورات التي مرت بها الزراعة - ولا تزال - قد غيَّرت شكلها وحولتها إلى صناعة متعددة الفروع، ولا تقف عند حدود المزرعة بل تتعداها إلى معامل الإعداد والتجهيز والتصنيع، هذا بالإضافة إلى صناعة المخصبات وإمداد المزارعين بها، وتوفير الآلات الزراعية لهم، ويضاف إلى ذلك التسويق، حيث يبدأ النشاط الزراعي بالبذرة سواء الطبيعية أم المعدلة وراثيًّا وينتهي بمنافذ التجزئة، وتحول شكل النشاط الزراعي من سلسلة من الحلقات التي كانت تبدأ بالمزرعة وتنتهي بالمستهلك النهائي للسلع الزراعية إلى شبكة معقدة من موردي مستلزمات الإنتاج، والقائمين بعمليات التجهيز للسلع المنتجة، والمصنعين والمسوقين لها، وفي ظل إعمال آليات السوق أصبح هناك حرية الاختيار لما تزرعه وأين تبيعه، كل هذه عوامل وتطورات أثرت على الناتج الزراعي، ونصيب القائمين على العمل بالقطاع الزراعي.
وفي ظل المنافسة الدولية في مجال الإنتاج الزراعي وكذلك المنافسة داخل الجماعات العاملة في القطاع الزراعي نفسه داخل كل دولة بدأ الإنتاج الزراعي يتحول من إنتاج المواد الأولية الزراعية أو السلع الخام العادية إلى إنتاج سلع على درجة عالية من التخصص لدرجة أن البعض أطلق عليها "بوتيك الزراعة" والتي أصبحت تتحرك في عمليات التطوير لتلبية احتياجات المستهلكين في المقام الأول، وأصبح هذا واضحاً في السياسات ابتداء من مرحلة البذور وانتهاء بمرحلة البيع للمستهلك، وأصبحت أحلام المستهلك بالنسبة للسلع الزراعية أوامر للجهات القائمة على تطوير الزراعة في العالم، وعلى سبيل المثال كان بعض الأفراد يحلمون بنوع من العنب خالٍ من البذور، وقد نجحت الجهات العاملة في مجال البحوث الزراعية في تحقيق ذلك، وأصبح هذا المنتج الزراعي منتشراً في مختلف دول العالم وهكذا.
وتحت ضغط المنافسة الدولية والرغبة في زيادة الأرباح رصدت الشركات الدولية التي اتخذت من بحوث الهندسة الوراثية في مجال الزراعة نشاطًا لها مبالغ طائلة للبحوث والتطوير في هذا المجال، وقامت بابتكار أنواع وسلالات جديدة وقامت بتسجيلها لمنع حصول الدول النامية عليها، ولكي تقوم فيما بعد ببيعها إلى الدول النامية وتحقق أرباحاً من وراء ذلك، وأصبح هناك صراع بين الشركات الدولية حول ملكية وحماية براءات الاختراع والتصاريح في استخدام المنتجات التي تطورت تكنولوجيًّا، وصاحب ذلك قلقاً دوليًّا من المنظمات الزراعية والبنك الدولي وجماعات حقوق الإنسان من امتلاك تلك الشركات لحقوق ملكية هذه المنتجات؛ لأنها سوف تحرم المجتمعات والدول الفقيرة من استخدامها، وهي نفس المجتمعات والدول التي تدعي تلك الشركات أنها طورت هذه المنتجات لمساعدتها وحل مشاكل نقص الغذاء بها.
456 مليار دولار مساهمة الزراعة في التجارة الدولية
بلغت قيمة التجارة الدولية في السلع الزراعية في عام 1998م حوالي 456 مليار دولار أي حوالي ثلاثة أمثال ما كانت عليه في أواخر الستينيات، وسيطرت على الغالبية العظمى من هذه التجارة دول متقدمة (باستثناء تايلاند والبرازيل من الدول النامية) على عكس ما هو مفترض بأن تسيطر عليها دول نامية يتركز النشاط الزراعي فيها، وكان نصيب الدول العربية من هذه التجارة في السلع الزراعية لا يكاد يذكر في جانب الصادرات، ولكنه يعتبر كبيراً في جانب الاستيراد، حيث تعتبر معظم الدول العربية مستورداً صافيًا للغذاء، وفي مقابل هذا التطور في التجارة في السلع الزراعية يلاحظ أن التجارة في السلع الصناعية قد نمت بمعدل ثلاثة أضعاف النمو في التجارة في السلع الزراعية خلال نفس الفترة، ورغم سيطرة الدول المتقدمة على كل من تجارة السلع الصناعية وجانب كبير من السلع الزراعية، فقد لجأت إلى إرهاق الدول النامية المصدرة للسلع الزراعية من خلال العديد من الإجراءات، أهمها التعريفة الجمركية والتي تبلغ حوالي 40% على السلع الزراعية مقابل 10% على السلع الصناعية، في نفس الوقت تقوم الدول الصناعية بدعم صادراتها من السلع الزراعية؛ لإضعاف قدرة السلع الزراعية الواردة من الدول النامية على المنافسة في الأسواق العالمية، كما يعتبر فرض نظام الحصص وإجراءات الصحة وتطبيق معايير البيئة على السلع الزراعية الواردة من الدول النامية من أهم الوسائل التي تتبعها الدول المتقدمة ضد الدول النامية.
ومن المعروف أن الخلافات حول هذه القضايا بين الدول المتقدمة والدول النامية من ناحية، وبين الدول المتقدمة ذاتها من ناحية أخرى، ما زالت قائمة وتطفو على السطح في العديد من المناسبات مثل ما حدث في مؤتمر سياتل، ومن المتوقع أن تزداد المشاكل حول تحرير التجارة في السلع الزراعية مع تزايد حجم السلع الزراعية المعدلة وراثيًّا في التجارة الدولية والتي يتوقع أن تصل إلى حوالي 8 مليارات دولار في عام 2005م أي ما يعادل أربعة أضعاف حجمها الحالي.
هندسة الزراعة والحروب التجارية
لقد تركزت الأراضي الزراعية التي تستخدم الهندسة الوراثية في عدد من الدول بعينها وهي الولايات المتحدة الأمريكية (72%)، والأرجنتين (17%)، وكندا (10%) أي حوالي 99% من المساحة الكلية في العالم، أما نسبة (1%) الباقية فهي مقسمة بين الصين، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، والمكسيك، وفرنسا، وأسبانيا، والبرتغال، وأوكرانيا ورومانيا، وقد يتساءل البعض لماذا هذه الدول بالذات؟ ولماذا لم تزرع هذه الزراعات المهندسة وراثيًّا في دول أخرى مثل الدول العربية وغيرها من الدول الاستوائية ؟ الإجابة ببساطة أن التركيز في البحوث في هذا المجال انصَبَّ على المحاصيل المدارية مثل الذرة وفول الصويا، وهو ما قلَّل من إقبال مزارعي الاتحاد الأوروبي وغيرهم على هذه النوعية من الزراعة بل ووقوفهم ضدها.
وقد انقسم العالم إلى فريقين، الفريق الأول يؤيد هذه النوعية من الزراعة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والفريق الثاني يضم معظم دول الاتحاد الأوروبي واليابان وبعض الدول النامية، ويرى الفريق الأول أن هذه النوعية من الزراعات أدت إلى زيادة المحاصيل الزراعية، وتخفيض تكلفة الإنتاج الزراعي، وأشبعت عددًا كبيرًا من جياع العالم في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كما أدت هذه التكنولوجيا إلى ظهور محاصيل زراعية جديدة ذات قيمة غذائية أعلى، أما الفريق الثاني بزعامة الاتحاد الأوروبي والذى انضمت إليه بعض الجمعيات غير الحكومية، وجماعات الخضر والنقابات العمالية، وجماعات الحفاظ على البيئة هذا الفريق يرى أن هذه المنتجات الزراعية تضر بصحة الإنسان والبيئة، وتؤثر على مستقبل البشرية وأن الدول والشركات التي تتبنى هذه النوعية من الزراعة لا يحركها سوى الجشع والسعي وراء الأرباح الخيالية، وهذا الخلاف بين الفريقين أدى إلى زيادة مشكلات تحرير التجارة الدولية في السلع الزراعية إلى الحد الذي جعل البعض يتنبئون بحروب تجارية بين دول العالم بسبب هذه القضية، ويتوقعون خسائر كبيرة للدول المنتجة لهذه المنتجات الزراعية بسبب قيام المستهلكين باتخاذ مواقف مناهضة ومقاطعتهم لهذه السلع الزراعية، ويذكرون في ذلك الخسائر التي تحملتها بريطانيا بسبب مرض جنون البقر التي بلغت 5,5 مليار دولار وكذلك خسارة بلجيكا لنفس السبب التي بلغت 600 مليون دولار.